أحمد بن عبد المحسن العساف[size=24]
الشعر ديوان العرب وسجل حضارتهم ؛ حفظوا به الوقائع والمآثر وتعاقبوا على حفظه والاحتفال به جيلاً إثر جيل . وكان ظهور شاعر في القبيلة فتحاً " إعلامياً " يبتهج له السادة والفرسان ليكون شاعرهم الناطق الرسمي والمتحدث الوحيد عن مفاخر الحي كما يتولى مهمة الدفاع والذب عن أهله وجماعته .
وكم ارتقى بالشعر إنسان وعلا اسمه وكم طورد به آخر وغاب نجمه ؛ ورب رأس حصيد لسان كما قالوا في الحكم والأمثال وصدقوا . وكان للشعر سوق ومناظرات يحضرها الفحول ليستمعوا للناشئة والشعراء الجدد وكانت هذه التظاهرة الثقافية محل العناية والاهتمام من القبائل ليعرضوا ما عندهم ويروا ما عند غيرهم .
ومع مرور الأيام وتعاقب الليالي فقد الشعر منزلته المتقدمة ومكانته العالية لجملة من الأسباب منها : ظهور وسائل الإعلام والترفيه الحديثة وانتشار العامية واللهجات المحلية وكذلك ظهور أنواع من الشعر أفسدت الذوق الرفيع كالشعر الطلسمي الحديث إضافة إلى الاهتمام بالأشعار الشعبية إلى حد الهوس أحياناً . ومما زاد الأمر ضغثاً على إبالة صيرورة الشعر سلعة تباع وتشترى ؛ فثورة الشعر تغلي مراجلها في نفس إنسان لتجود قريحته بفيض من مشاعره _ والمشاعر غير قابلة لنقل الملكية _ لكنها في زماننا تنقل بلا عقد ولا شاهد مادام هناك من يدفع ويغدق ولو كان بليداً غليظ الإحساس لا يصلح لشعر ولا نثر .
[/size]