شجاعته صلى الله عليه وسلم وجهاده:
كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأثبتهم قلبًا، لا يبلغ مبلغه في ثبات الجأش وقوة القلب مخلوق، فهو الشجاع الفريد الذي كملت فيه صفات الشجاعة وتمّت فيه سجايا الإقدام وقوة البأس، وهو القائل: " والذي نفسي بيده لوددت أنني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل" أخرجه البخاري.
لا يخاف التهديد والوعيد، ولا ترهبه المواقف والأزمات، ولا تهزه الحوادث والملمّات، فوّض أمره لربه وتوكل عليه وأناب إليه، ورضي بحكمه واكتفى بنصره ووثق بوعده، فكان صلى الله عليه وسلم يخوض المعارك بنفسه ويباشر القتال بشخصه الكريم، يعرّض روحه للمنايا ويقدّم نفسه للموت، غير هائب ولا خائف، ولم يفرّ من معركة قط، وما تراجع خطوة واحدة ساعة يحمي الوطيس وتقوم الحرب على ساق وتشرع السيوف وتمتشق الرماح وتهوي الرؤوس ويدور كأس المنايا على النفوس، فهو في تلك اللحظة أقرب أصحابه من الخطر، يحتمون أحيانًا به وهو صامد مجاهد، لا يكترث بالعدوّ ولو كثر عدده، ولا يأبه بالخصم ولو قوي بأسه، بل كان يعدل الصفوف ويشجع المقاتلين ويتقدم الكتائب.
وقد فرّ الناس يوم حنينن وما ثبت إلا هو صلى الله عليه وسلم وستة من أصحابه، وكان صدره بارزًا للسيوف والرماح، يصرع الأبطال بين يديه ويذبح الكماة أمام ناظريه وهو باسم المحيا، طلق الوجه، ساكن النفس.
وقد شُجّ عليه الصلاة والسلام في وجهه وكسرت رباعيته، وقتل سبعون من أصحابه، فما وهن ولا ضعف ولا خار، بل كان أمضى من السيف. وبرز يوم بدر وقاد المعركة بنفسه، وخاض غمار الموت بروحه الشريفة. وكان أول من يهبّ عند سماع المنادي، بل هو الذي سنّ الجهاد وحثّ وأمر به.
وتكالبت عليه الأحزاب يوم الخندق من كل مكان، وضاق الأمر وحلّ الكرب، وبلغت القلوب الحناجر، وزلزل المؤمنون زلزالا شديدًا، فقام صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو ويستغيث مولاه حتى نصره ربّه وردّ كيد عدوّه وأخزى خصومه وأرسل عليهم ريحا وجنودًا وباؤوا بالخسران والهوان.
صدق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:
بل هو الذي جاء بالصدق من عند ربه، فكلامه صدق وسنّته صدق، ورضاه صدق وغضبه صدق، ومدخله صدق ومخرجه صدق، وضحكه صدق وبكاؤه صدق، ويقظته صدق ومنامه صدق، و كلامه صلى الله عليه وسلم كله حق وصدق وعدل، لم يعرف الكذب في حياته جادًّا أو مازحًا، بل حرّم الكذب وذمّ أهله ونهى عنه، وكل قوله وعمله وحاله صلى الله عليه وسلم مبني على الصدق، فهو صادق في سلمه وحربه، ورضاه وغضبه، وجدّ وهزله، وبيانه وحكمه، صادق مع القريب والبعيد، والصديق والعدو، والرجل والمرأة، صادق في نفسه ومع الناس، في حضره وسفره، وحلّه وإقامته، ومحاربته ومصالحته، وبيعه وشرائه، وعقوده وعهوده ومواثيقه، وخطبه ورسائله، فهو الصادق المصدوق، الذي لم يحفظ له حرف واحد غير صادق فيه، ولا كلمة واحدة خلاف الحق، ولم يخالف ظاهره باطنه، بل حتى كان صادقًا في لحظاته ولفظاته وإشارات عينيه، وهو الذي يقول- لما قال له أصحابه: ألا أشرت لنا بعينك في قتل الأسير؟!-: " ما كان لنبي أن تكون له خائنة أعين" رواه أبو داود والنسائي .
فهو الصادق الأمين في الجاهلية قبل الإسلام والرسالة، فكيف حاله بالله بعد الوحي والهداية ونزول جبريل عليه ونبوّته وإكرام الله له بالاصطفاء والاجتباء والاختيار؟!